فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

مجلس في قوله تبارك وتعالى: {كل نفس ذائقة الموت}:
قيل لما نزلت هذه الآية قالت الملائكة متنا وعزة الله فعند ذلك أيقن كل ذي عقل وروح أنه هالك.
وأنشدوا:
أيضحك من للموت فيه نصيب ** وينعم عيشا إن ذا لعجيب

ويأكل والأيام تأكل عمره ** وليس له جسم لذاك يذوب

ومن عرف الرحمن لم يهن قلبه ** نعيم ولم ينفك عنه نحيب

بعدت عن الورد الرضي بزلة ** وبي قطعت دون الوصول ذنوب

قال الله تعالى: {كل نفس ذائقة الموت} آل عمران 185 يموت كل صغير وكبير يموت كل أمير ووزير يموت كل عزيز وحقير يموت كل غني وفقير يموت كل نبي وولي يموت كل نجي وتقي يموت كل زاهد وعابد يموت كل مقر وجاحد يموت كل صحيح وسقيم يموت كل مريض وسليم كل نفس تموت غير ذي العزة والجبروت.
وأنشدوا:
ألا كل مولود فللموت يولد ** ولست أرى حيا عليها يخلد

تجرد من الدنيا فإنك إنما ** خرجت من الدنيا وأنت مجرد

وأنت وإن خولت مالا وكثرة ** فإنك في الدنيا على ذاك أوحد

وأفضل شيء نلت منها فإنه ** متاع قليل يضمحل وينفد

فكم من عزيز أعقب الذل عزه ** فأصبح مذموما وقد كان يحمد

فلا تحمد الدنيا ولكن فذمها ** وما بال شيء ذمه الله يحمد

ذكر الموت:
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أكثروا ذكر هازم اللذات ومفرق الجماعات.
وتوسدوه إذا نمتم واجعلوه نصب أعينكم إذا قمتم واعمروا به مجالسكم فإنه معقود بنواصيكم يعني بما وكل به منكم ويفسد نعيمكم ويخرب مصانعكم ويفنيكم كما أفنى من كان قبلكم فلا تنسوه فإنه لا ينساكم ولا تغفلوا عنه فإنه ليس بغافل عنكم.
وأنشدوا:
يا جار أحبابه شهورا ** وجار أمواته دهورا

ليس سرورا يعود حزنا ** إذا تأملته سرورا

وروي عن عيسى عليه السلام أنه قال ما من مولود يولد إلا وفي سرته من تراب الأرض التي يموت فيها.
وأنشدوا:
أمر على المقابر كل حين ** ولا أدري بأي الأرض قبري

وأفرح بالغني إن زاد مالي ** ولا ابكي على نقصان عمري

ما أحسن حال من ذكر الموت فعمل لخلاصه قبل الفوت وأشغل نفسه بخدمة مولاه وقدم من دنياه لأخراه ورغب في دار لا يزول نعيمها ولا يهان كريمها.
وأنشدوا:
الموت لا شك آت فاستعد له ** إن اللبيب بذكر الموت مشغول

فكيف يلهو بعيش أو يلذ به ** من التراب على عينيه مجعول

روي عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال يا رسول الله أي المؤمنين أكيس قال أكثرهم للموت ذكرا وأحسنهم له استعدادا.
حكاية عن الربيع:
وقيل للربيع رحمه الله ألا تجلس معنا نتحدث فقال إن ذكر الموت إذا فارق قلبي ساعة فسد على قلبي.
وأنشدوا:
ما أغفل الناس عن وعيد ** قربه الليل والنهار

والعار ما جرت المعاصي ** وليس في النائبات عار

ويحك ما تصنع المنايا ** تأتي فتخلى لها الديار

فلا قلوب لها عيون ** ولا عيون لها اعتبار

عباد الله اسعوا في فكاك رقابكم وأجهدوا أنفسكم في خلاصها قبل أن تزهق فوالله ما بين أحدكم وبين الندم والعلم بأنه قد زلت به القدم إلا أن يحوم عقاب المنية عليه ويفوق سهامها إليه فإذا الندم لا ينفع وإذا العذر لا يصنع وإذا النصير لا يدفع وإذا الشفيع لا يشفع وإذا الذي فات لا يسترجع وإذا البائس المحابي به في النجاة لا يطمع.
فكأني بك يا أخي وقد صرخ عليك النسوان وبكى عليك الأهل والإخوان وفقدك الولدان ونفخ لفرقتك الجيران ونادى عليك المنادي قد مات فلان بن فلان.
ثم نقلت عن الأحباب وحملت إلى أرماس التراب وأضجعوك في محل ضنك قصير السمك مهول منظره كثير وعره مغشى بالوحشة.
عرفته مهول الصريح مطبق الصفيح على غير مهاد ولا وداد ولا مقدمة زاد ولا استعداد.
وأنشدوا:
المرء يخدعه مناه ** والدهر يسرع في بلاه

يا ذا الشبية لا تكن ** ممن تعبده هواه

واعلم بأن المرء مرتهن ** بما كسبت يداه

والناس في غفلاتهم ** والموت دائرة رحاه

الحمد لله الذي ** يبقى ويهلك ما سواه

. اهـ.

.قال الفخر:

في قوله: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت} سؤال: وهو أن الله تعالى يسمى بالنفس قال: {تَعْلَمُ مَا في نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا في نَفْسِكَ} [المائدة: 116] وأيضا النفس والذات واحد فعلى هذا يدخل الجمادات تحت اسم النفس، ويلزم على هذا عموم الموت في الجمادات، وأيضا قال تعالى: {فَصَعِقَ مَن في السموات وَمَن في الأرض إِلاَّ مَن شَاء الله} [الزمر: 68] وذلك يقتضي أن لا يموت الداخلون في هذا الاستثناء، وهذا العموم يقتضي موت الكل، وأيضا يقتضي وقوع الموت لأهل الجنة ولأهل النار لأن كلهم نفوس.
وجوابه: أن المراد بالآية المكلفون الحاضرون في دار التكليف بدليل أنه تعالى قال بعد هذه الآية: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النار وَأُدْخِلَ الجنة فَقَدْ فَازَ} فإن هذا المعنى لا يتأتى إلا فيهم، وأيضا العام بعد التخصيص يبقى حجة. اهـ.

.قال الخازن:

فإن قلت: الحور والولدان نفوس مخلوقة في الجنة لا تذوق الموت فما حكم لفظ كل في قوله كل نفس ذائقة الموت؟ قلت لفظة كل لا تقتضي الشمول والإحاطة بدليل قوله تعالى وأوتيت من كل شي ولم تؤت ملك سليمان فتكون الآية من العام المخصوص ويحتمل أن يكون المراد بهم المكلفين بدليل سياق الآية. اهـ.

.قال الفخر:

زعمت الفلاسفة أن الموت واجب الحصول عند هذه الحياة الجسمانية، وذلك لأن هذه الحياة الجسمانية لا تحصل إلا بالرطوبة الغريزية والحرارة الغريزية، ثم إن الحرارة الغريزية تؤثر في تحليل الرطوبة الغريزية، ولا تزال تستمر هذه الحالة إلى أن تفنى الرطوبة الأصلية فتنطفئ الحرارة الغريزية ويحصل الموت، فبهذا الطريق كان الموت ضروريا في هذه الحياة.
قالوا وقوله: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت} يدل على أن النفوس لا تموت بموت البدن، لأنه جعل النفس ذائقة الموت، والذائق لابد وأن يكون باقيا حال حصول الذوق، والمعنى أن كل نفس ذائقة موت البدن، وهذا يدل على أن النفس غير البدن، وعلى أن النفس لا تموت بموت البدن، وأيضا: لفظ النفس مختص بالأجسام، وفيه تنبيه على أن ضرورة الموت مختصة بالحياة الجسمانية، فأما الأرواح المجردة فلا، وقد جاء في الروايات ما هو خلاف ذلك، فإنه روي عن ابن عباس أنه قال: لما نزل قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26] قالت الملائكة مات أهل الأرض، ولما نزل قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت} قالت الملائكة متنا. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

وفي ذكر الموت تهديد للمكذبين بالمصير، وتزهيد في الدنيا، وتنبيه على اغتنام الأجل. اهـ.

.فصل نفيس وجامع في أحكام الموتى للإمام القرطبي:

قال عليه الرحمة:
اعلم أن للموت أسبابًا وأماراتٍ؛ فمن علامات موت المؤمن عَرَقُ الجبين.
أخرجه النَّسائي من حديث بُريدة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المؤمن يموت بِعَرَق الجَبِين» وقد بيّناه في التذكرة فإذا احتُضِر لُقِن الشهادة؛ لقوله عليه السلام: «لَقِنوا موتاكم لا إله إلا الله» لتكون آخر كلامه فيُختَم له بالشهادة؛ ولا يعاد عليه منها لئلا يضجَر.
ويستحبّ قراءة: يس ذلك الوقت؛ لقوله عليه السلام: «اقرءوا يس على موْتاكم». أخرجه أبو داود.
وذكر الآجُرِّي في كتاب النصيحة من حديث أم الدرداء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما من ميتٌ يُقرأ عنده سورة يس إلا هون عليه الموت» فإذا قُضي وتَبِع البصرُ الروح كما أخبر صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم وارتفعت العبادات: وزال التكليف، توجّهت على الأحياء أحكام؛ منها تغميضُه، وإعلامُ إخوانه الصُلحَاء بموته؛ وكَرِهه قوم وقالوا: هو من النعى.
والأول أصحّ، وقد بيّناه في غير هذا الموضع.
ومنها الأخذ في تجهيزه بالغسل والدّفن لِئَلا يُسرع إليه التغيرّ؛ قال صلى الله عليه وسلم لقوم أخَّروا دفن ميتهم: «عّجلوا بدفن جيفتكم» وقال: «أسرعوا بالجنازة» الحديث، وسيأتي.
الثالثة فأما غسله فهو سُنّة لجميع المسلمين حاشا الشَّهيد على ما تقدم.
وقيل: غسله واجب.
قاله القاضي عبد الوهاب.
والأول: مذهب الكتاب، وعلى هذين القولين العلماءُ.
وسبب الخلاف قوله عليه السلام لأم عطية في غسلها ابنته زينب، على مافي كتاب مسلم.
وقيل: هي أم كلثوم، على ما في كتاب أبي داود: «اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رَأَيْتُنّ ذلك» الحديث.
وهو الأصل عند العلماء في غسل الموتى.
فقيل: المراد بهذا الأمر بيانُ حكم الغسل فيكون واجبا.
وقيل: المقصود منه تعليم كيفية الغسل فلا يكون فيه ما يدل على الوجوب.
قالوا ويدّل عليه قوله: «إن رَأَيْتُن ذلك» وهذا يقتضي إخراج ظاهر الأمر عن الوجوب؛ لأنه فوّضه إلى نظرهن.
قيل لهم: هذا فيه بُعدٌ؛ لأن ردّك «إن رأيتن» إلى الأمر، ليس السابق إلى الفهم بل السابق رجوع هذا الشرط إلى أقرب مذكور، وهو «أكثر من ذلك» أو إلى التخيير في الأعداد.
وعلى الجملة فلا خلاف في أن غسل الميت مشروع معمول به في الشريعة لا يُترك.
وصفته كصفة غسل الجنابة على ما هو معروف.
ولا يجاوز السبع غسلات في غُسل الميت بإجماع؛ على ما حكاه أبو عمر.
فإن خرج منه شيء بعد السبع غِسل الموضع وحده، وحكمه، وحكمه حكم الجُنب إذا أحدث بعد غسله.
فإذا فرغ من غسله كفّنه في ثيابه وهي:
والتكفين واجب عند عامة العلماء، فإن كان له مال فمن رأس ماله عند عامّة العلماء، إلا ما حكى عن طاوس أنه قال: من الثلث كان المال قليلا أو كثيرا.
فإن كان الميت ممن تلزم غيره نفقته في حياته من سيّد إن كان عبدًا أو أب أو زوج أو ابن فعلى السيد باتفاق، وعلى الزوج والأب والابن باختلاف.
ثم على بيت المال أو على جماعة المسلمين على الكفاية.
والذي يتعيّن منه بتعيين الفرض سَتْرُ العورة؛ فإن كان فيه فضل غير أنه لا يعم جميع الجسد غطى رأسه ووجهه؛ إكراما لوجهه وسترا لما يظهر من تغيّر محاسنه.
والأصل في هذا قصّة مُصعب بن عُمير، فإنه ترك يوم أحد نَمِرة كان إذا غُطِّي رأسه خرجت رجلاه، وإذا غُطِّي رجلاه خرج رأسه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ضَعوها مما يلي رأسَه واجعلوا على رجليه من الإذخر». أخرج الحديث مسلم.
والوتر مستحب؛ عند كافة العلماء في الكَفن، وكلهم مجمعون على أنه ليس فيه حَدّ.
والمستحب منه البياض؛ قال صلى الله عليه وسلم: «البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفّنوا فيها موتاكم» أخرجه أبو داود.
وكُفّن صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سَحُولية من كُرْسُف.
والكفن في غير البياض جائز إلا أن يكون حريرا أو خَزَّا.
فإن تشاحّ الورثة في الكفن قضي عليهم في مثل لباسه في جُمعته وأعياده؛ قال صلى الله عليه وسلم: «إذا كَفّن أحدكُم أخاه فَلْيُحسِّن كفنه». أخرجه مسلم.
إلا أن يوصي بأقل من ذلك.
فإن أوصى بسَرفٍ قيل: يبطل الزائد.
وقيل: يكون في الثلث.